الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مطلب تفضيل الإنسان على ما خلق اللّه على الإطلاق: قال تعالى: {وَفَضَّلْناهُمْ} بهذا التكريم بظروف النعم وصنوف المستلذات وفنون المعمولات {عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا} أي كل خلقنا، لأن كثيرا هنا بمعنى كل على حد قوله تعالى: {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ} الآية 233 من الشعراء المارة، قال الحسن أي كلهم كاذبون، {تَفْضِيلًا} 70 عظيما كبيرا إذ عرفناه بواسطة العقل والفهم واكتساب العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة، فهذا هو معنى التفضيل، والاختصاص المتقدم هو معنى التكريم فلا يقال إن التفضيل والتكريم بمعنى واحد فهو تكرار، تنبه.وليعلم أن خواص البشر الأنبياء أفضل من خواص الملائكة، ولذلك أجمع المفسرون على أن كثيرا هنا بمعنى الكل كما ذكرناه في تفسير الآية 233 المذكورة آنفا من سورة الشعراء المارة، وعوام الملائكة أفضل من عوام البشر على القول الراجح، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} الآية 7 من سورة البينة في ج 3، وجاء عن أبي هريرة قال: المؤمن أكرم على اللّه تعالى من الملائكة الذين عنده وقال: قال صلّى اللّه عليه وسلم أتعجبون من منزلة الملائكة من اللّه تعالى، والذي نفسي بيده لمنزلة المؤمن عند اللّه يوم القيامة أعظم من ذلك واقرأوا إن شئتم {إِنَّ الَّذِينَ} إلخ الآية السابقة.ويراد بالمؤمن هنا الكامل الموصوف في هذه الآية وهم الأنبياء، وليعلم أيضا أن الملائكة مجبولون على الطاعة وقد وضع اللّه فيهم العقل ولم يركب فيهم الشهوة، والبهائم على العكس فهي مجبولة على الشهوة ولم يضع فيها العقل، وقد ركب اللّه في بني آدم الشهوة ووضع فيهم العقل، فمن غلب عقله على شهوته فقد التحق بالملائكة وصار أكرم منهم، ومن غلبت شهوته على عقله التحق بالبهائم وصار أخس منهم وأشر، وقد خلق اللّه تعالى كل ما في الكون السفلي والعلوي لبني آدم، وخلق بني آدم لنفسه المقدسة ليعبدوه، قال تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الآية 56 من سورة الذاريات في ج 2 وجاء عن جابر يرفعه قال: «لما خلق اللّه آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان».هذا وقالت المعتزلة: إن البشر أفضل من جميع الخلق إلا الملائكة وقال الكلبي البشر أفضل من جميع الخلق عدا طائفة من الملائكة مثل جبريل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل وحملة العرش وخازن الجنة والنار وشبههم، استدلالا بقوله تعالى: {كَثِيرٍ} ولو كان التفضيل على الكل لما جاء لفظ {كثير} والأول الذي جرينا عليه هو ما عليه الجمهور، راجع الآية الأولى من هذه السورة، وقد ذكرنا أن كثيرا أتت في القرآن بمعنى الكل قولا واحدا فيها قال في الكشاف إن المراد بالأكثر في قوله تعالى: {وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا} الآية 37 من سورة يونس في ج 2 الجميع والقرآن يفسّر بعضه بعضا والآيتان المتقدمتان والحديثان كل منها يؤيد هذا، وعليه أبو حنيفة وكثير من الشافعية والأشعرية رضي اللّه عنهم، ولهذا مثبتا على أن الأكثر بمعنى الكلّ، وإن البشر أفضل من جميع الخلق، والمراد الجنس الصادق بالواحد والمتعدد قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} بنبيهم ومقدمهم فيقال يا أتباع فلان، ويا قوم فلان، وقيل بكتابهم لأن الإمام بمعنى الكتاب، فيقال يا أهل كتاب الخير، ويا أهل كتاب الشر، أو يا آل القرآن، يا آل التوراة يا آل الإنجيل، ويا أهل دين الإسلام، يا أهل دين اليهود، يا أهل دين النصارى، والأوّل أولى وأوفق، فيأتون أفواجا أفواجا ومعنى الإمام المتبع والمقتدى به عاقلا كان أو غيره في اللغة، وأما شرعا وعرفا فالإمام هو الخليفة ومن يصلي بالناس بأمره جمعة وجماعة، أخرج ابن مردويه عن علي كرم اللّه وجهه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الآية: «يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وسنة نبيهم».وأخرج بن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أنه قال إمام هدى وإمام ضلالة، وأخرج ابن جرير عن طريق الصوفي عن ابن عباس أيضا قال بإمامهم بكتاب أعمالهم وأخرج بن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن أنس أنه قال هو نبيهم الذي بعث إليهم.وما قيل إن إمام جمع أم كخفاف جمع خفّ لأن الناس يدعون بأمهاتهم رعاية لحق عيسى عليه السلام، وشرفا للحسنين رضي اللّه عنهما، وشرا لأولاد الزنى لا وجه له ولا مزيّه، لان جمع أمّ أمهات ولم يسمع كونه جمع إمام والغلط المشهور خير من الصحيح المهجور، على أنه ليس بغلط بل بصحيح مشهور، ولأن عيسى عليه السلام من كرامته على ربه خلقه من غير أب، فهو آية في نفسه من آيات اللّه العظام، ووالد الحسنين خير من أمهما مهما كانت مفضلة على غيرها لان آل البيت كحلقة مقرغة وفضيحة أولاد الزنى حاصلة لا محالة سواء دعي باسم أمه أولا، لأن اللّه تعالى يحاسب الزاني والزانية، وفي ذلك تظهر الفضائح وتنشر القبائح، وإن ابن الزنى لا ذنب عليه لأنه لم يقترف شيئا، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} الآية 38 من سورة والنجم المارة، ويوشك أن يثيبه اللّه تعالى على تحمله ألفاظ القذف من الناس وأقوال التحقير والاستهزاء ما لا يثيب به غيره، وقد يكون غالبا من أهل التحمل، وجبارا أيضا وواطيا بآن واحد، راجع الآية 32 من سورة مريم المارة {فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ} في ذلك اليوم المهول {فَأُولئِكَ} إشارة إلى من باعتبار معناها {يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ} فرحين مسرورين متلذذين بما فيه من الخيرات والحسنات والطاعات التي فعلوها بالدنيا، ويقرأون ما فيه ولو لم يكونوا قارئين قبلا، وكذلك الأعمى يقرأ كتابه بقوة يعطيه اللّه إياها، ويعيد له بصره حتى لا يبقى لأحد حجة يحتج بها، نفيا لدعوى الظلم {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} 71 أيها الناس كلكم، فلا ينقص من أجور أعمالكم المرتسمة في كتبكم بمقدار الخيط الرفيع الذي هو في باطن نواة التمر، كما لا يزاد على عقاب أحد بمثل ذلك، وإنما ضرب اللّه تعالى هذا المثل بالفتيل لما هو متعارف عند العرب إذ يضربون به المثل لكل حقير، ولأنه لا أقل منه بنظر المخاطبين، ومثله النقير الذي في ظهرها والقطمير الغشاء الذي عليها بل يؤتونها مضاعفة إن كانت من أعمال الخير، ومثلها إن كانت من الشر، راجع الآية 160 من سورة الأنعام في ج 3، أما الذين يؤتون كتبهم بشمالهم فتستولي عليهم الدهشة والذّلة من سوء ما يرونه فيها من كبائر المعاصي وغظائم المناهي، فيرتبكون حتى انهم تأخذهم الرجفة فلا يستطيعون قراءتها كما ينبغي لشدة ما يعتريهم من الخوف، لقبح ما هو مدون فيها.أخرج الفضيلي عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «الكتب كلها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة بعث اللّه تعالى ريحا فتطيرها إلى الأيمان والشمائل، وأول خط فيها {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} الآية 14 المارة».وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها وعن أبيها قالت: قلت يا رسول اللّه هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة، قال: «أما عند ثلاث فلا، إلى أن قال وعند تطاير الكتب، والثاني واللّه أعلم عند النفخة الثانية، والثالث عند الفزع الأكبر في موقف الحساب».وجاء عن عائشة أيضا: أنه يؤتى العبد كتابه بيمينه فيقرأ سيئاته، ويقرأ الناس حسناته، ثم يحول الصحيفة فيحول اللّه تعالى حسناته فيقرأها الناس فيقولون ما كان لهذا العبد من سيئة.قال تعالى: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ} الدنيا {أَعْمى} قلبه عن الاعتراف بقدرتنا والتصديق لأنبيائنا من المدعوين المذكورين {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ} المعبر عنها بيوم ندعو في الآية المتقدمة فكذلك يكون {أَعْمى} بأشد من عمى الدنيا فلا يهتدي إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه نفعا {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} من سبل الدنيا لأنه فيها قد يعرف بعض الطرق المؤدية لأهله مثلا، أما في الآخرة فلا يعرف شيئا البتة، لذلك لا يمكنه تدارك ما فاته فيها، أي أنه إذا اعترف إذ ذاك بالتوحيد وبالنبوة والكتب والبعث لا ينفعه، وإذا تاب لا تقبل توبته، وإلا لآمن الكل لأن اللّه تعالى حدد التوبة حدا وهو كونها في الدنيا وفي غير حالتي اليأس والبأس، وقبل طلوع الشمس من مغربها، والدابة من محلها، راجع الآية 82 من سورة النمل المارة.وهذا الأعمى هو الذي يؤتى كتابه بشماله بدلالة ما سبق ولمقابلته به إذ لا يجوز أن يفسر الأعمى هنا بأعمى العين الباصرة لمخالفته لقوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} الآية 22 من سورة ق المارة، لأن اللّه تعالى يعطي الأعمى قوة النظر يوم القيامة ويعيد الأجزاء الناقصة من الإنسان حتى القلفة، لأن الناس يحشرون كاملي الخلقة لا ترى فيهم أعمى ولا أعور ولا أقطع ولا أعرج ولا ولا، قال تعالى: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الآية 50 من الأعراف المارة، راجع الآية 125 من سورة طه المارة لاستيفاء هذا البحث، وهذه الآيات المدنيات الأخيرة من هذه السورة، قال تعالى: {وَإِنْ كادُوا} قاربوا وأوشكوا {لَيَفْتِنُونَكَ} يخدعونك وإن هذه مخففة من الثقيلة واللام في ليفتنونك تسمى اللام الفارقة بين إن هذه وإن النافية، واسمها ضمير الشان، مقدر دائما، أي أن شأنهم المقاربة لإيقاعك في الفتنة وصرفك {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد في هذا القرآن {لِتَفْتَرِيَ} تختلق وتتقول {عَلَيْنا غَيْرَهُ} من تلقاء نفسك أو مما اقترحوه عليك..مطلب تهديد اللّه تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلم: {وَإِذًا} إذا اتبعت أهواءهم وهممت أن تفعل ما أرادوه منك {لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} 73 لهم مصافيا مواليا ولا تبعوك فيما تأمرهم وتنهاهم مع أنهم أعدائي وصداقتهم تقتضي الانقطاع عن ولايتي، وقيل في المعنى:وقال الشافعي رحمه اللّه: إذا أطاع صديقك عدوك فقد اشتركا في عداوتك، لأن من الوفاء للصديق عدم مصادقة عدوه.قال ابن عباس قدم وفد ثقيف بعد فتح مكة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقالوا نبايعك على ثلاث خصال: لا ننحني في الصلاة، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وإن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها بل لنأخذ هداياها، فقال صلّى اللّه عليه وسلم: «لا خير في دين لا ركوع ولا سجود فيه، وأما أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم فذلك لكم، وأما الطاغية يعني اللات فإني غير ممتعكم بها» قالوا يا رسول اللّه، إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا، فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل أمرني اللّه بذلك، فسكت النبي صلّى اللّه عليه وسلم غضبا مما قالوا فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم سؤلهم لظنهم أنه راق له ذلك وفي رواية فقام النبي صلّى اللّه عليه وسلم فقال عمر رضي اللّه عنه ما بالكم آذيتم رسول اللّه إنه لا يدع الأصنام في أرض العرب، فما زالوا به حتى أنزل اللّه هذه الآية وقد ادخرها اللّه تعالى هي وما بعدها إلى حد {زهوقا} الآتية لهذه الحادثة وهي كالمعترضة بالنسبة لما قبلها وما بعدها شأن الآيات المتأخر نزولها عن سورها، فإنك تراها معترضة لا علاقة لها بما قبلها ولا صلة بما بعدها.هذا، وما قيل إن قريشا قالت لحضرة الرسول اجعل لنا آية رحمة بدل آية عذاب وآية عذاب بدل آية رحمة حتى نؤمن بك، أو أنهم قالوا لا تمس الحجر الأسود حتى تمس آلهتنا، أو كلفوه أن يذكر آلهتهم ليسلموا ويتبعوه، أو أنهم قالوا له إن الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فاطردهم حتى نتبعك لأنا نستحي أن نكون وإياهم سواء في المجلس، وأن حضرة الرسول حدث نفسه بما لفظه: «ما علي أن أفعل ذلك واللّه يعلم أني لها كاره» وغيره من الترهات التي نقلها بعض المفسرين، دون ترو من صحتها لا يصح شيء من ذلك أبدا ولا يجوز أن ينسب لحضرة الرسول شيء منه أصلا، لأنه مما لا يقبل التأويل، وإن اختلاف الروايات تدل دلالة كافية على وضعه، وكون الآية مدنية تبرهن على كذبه وعزم النبي صلّى اللّه عليه وسلم وحرصه على ما أمره به ربه يحيل وقوعه، لأن تلك الأقوال الواهية على فرض صحتها جدلا فإنها كانت في مكة، ولم يكن يلتفت إليها حضرة الرسول مع ما كان عليه وأصحابه من الضعف لقلة المسلمين فيها، أما وقد حفظه اللّه من كيدهم وقواه وأيده وأعلى كلمته وأظهر دينه في المدينة وكسر شوكة أعدائه فلا يتصور صحة شيء منها البتة، قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ} على ما أنت عليه من الحق بعصمتنا إياك من الميل لأقوالهم هذه {لَقَدْ كِدْتَ} قاربت في نفسك وأوشكت {تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} بما قالوه وطلبوه لقوة خداعهم وشدة احتيالهم ونملقهم {شَيْئًا قَلِيلًا} 74 يسيرا جدا قد يستدل به إلى ميلك القلبي لهم بسبب سكوتك وقيامك عنهم، دون أن تزجرهم وتظهر غضبك عليهم، وما كان ينبغي لك أن تتصور ذلك أو تردده في خلدك حتى يتخيلوا ميلك لإجابتهم ويطمعون في موافقتك لهم.هذا، واعلم أن ظاهر الآية تدل صراحة على أن حضرة الرسول لم يهم فعلا بإجابتهم، ولم يكد أيضا وهو لا شك معصوم عن العزم بما هو من ذلك القبيل وحديث النفس معفو عنه شرعا، وإن كان محاسبا عليه والحساب غير العقاب والعتاب.قال تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية 284 من البقرة في ج 3، وقدمنا نبذة فيما يتعلق في هذا البحث في الآية 86 من سورة القصص المارة وله صلة واسعة في آية البقرة المذكورة آنفا فراجعها.وقد استدل بهذه الآية على أن العصمة بتوفيق اللّه وعنايته، وركن بفتح الكاف مضارعها يركن بكسرها وتأتي بضم الكاف ومضارعها بفتحه كما في الآية، قال تعالى: {إِذًا} لو قاربت الركون إليهم بأدنى شيء {لَأَذَقْناكَ} بسبب تلك الركنة القليلة {ضِعْفَ الْحَياةِ} في الدنيا عذابا مضاعفا وَأذقناك {ضِعْفَ الْمَماتِ} في الآخرة عذابا مضاعفا أيضا، والمراد ضعف عذاب الأحياء وضعف عذاب الموتى، والحذف في فصيح اللغة جائز ومرغوب، وهذا يشمل عذاب القبر والبعث وما بعده أيضا، وحاصل المعنى يقول اللّه تعالى لحبيبه محمد صلّى اللّه عليه وسلم وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لو أجبتهم إلى بعض طلبهم لضاعفت عليك عذاب الدنيا والآخرة، وذلك أن الأبرار لو فعلوا ما يستوجب عذابا ما يكون ضعف عذاب الأشرار وأكثر، لأنه لا يتوقع منهم الانحراف عن منهج الرشد أصلا بدليل قوله تعالى: {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيرًا} 75 يدفع عنك عذابنا أو يرفعه، ففيها من التهديد والوعيد ما يتقيض له من يتقيض ولا يخفى أن الأنبياء لا نصير لهم إلا الذي قربهم وشرفهم بنبوته بادىء أمرهم، وإن ما يقع من نصرتهم من بعض خلقه بتسخيره لهم، فكيف يجدون نصيرا لهم من غيره؟ كلا لا نصير له غير ربه.
|